“ترعرت في حي ثوري مما دفعني للجهاد في سن مبكر”
” بخلوفي أفضل مدرب ؛ و كنت أستمتع بفنيات يونس و قمري “
“سلمت بن قرعة الرئاسة و بخزينة مملوءة رغم أنني ورثت النادي في وضع كارثي “
قصة طويلة ممزوجة بين الروح الوطنية و الرياضية رفقة نادي القلب جمعية وهران حيث يعتبر الهواري مودوب إحدى شماعات وهران الباقية على قيد الحياة كيف لا و هو المجاهد الذي قرر اللحاق بصفوف جبهة التحرير الوطني في اعز شبابه ليكلف بمهام فدائية وسط مدينة وهران مما أدى للزج به داخل سجون الاستعمار الفرنسي و يحكم عليه بخمسة سنوات نافذة قضاها في سجن الشلف الأصنام سابقا رفقة صديقه قاسم ليمام .
هذا لم يمنعه من ممارسة شغفه كرة القدم و متابعتها علما أنه لعب في صنف الأشبال لفريق “ليزمو” ؛ ثم “ليمو” قبل أن يصبح مناصرا وفيا ل “لازمو” و من ثم رئيسا لها موسم 1994 -1995 محققا معها نجاحا كبيرا تمثل في إعادة المدرسة إلى حظيرة الكبار ؛ فرغم كبر السن و ثقل المرض إلا أن عمي الهواري استقبلنا بصدر رحب في بيته مستذكرا معنا بأرشيف متنوع من الصور و الروايات أبرز محطات حياته لننشر كل هذا في حوار مطول على جريدة تسعين دقيقة .
متى و أين ولد مودوب الهواري و كيف قضى طفولته ؟
ولدت سنة 1936 بمدينة وهران وسط الحي الشعبي المدينة الجديدة التحقت بالمدرسة كباقي الأطفال كما كنت أميل لممارسة كرة القدم مما دفعني للعب مع نادي إتحاد وهران في صنف الأشبال و بعدها “ليمو” ؛ و مع بلوغ سن الرشد عملت في إدارة المستشفى الجامعي لوهران لأقرر في العشرين من عمري تلبية نداء الوطن و ألتحق رفقة أخي سيد أحمد الأصغر مني سنا بصفوف جبهة التحرير الوطني و من هنا بدأت قصة الكفاح .
كيف كانت بدايتك مع الكفاح و ما هي المهام التي كنت مكلفا بها ؟
بصفتي ابن المدينة كنت جد متأثر بشخصيات وطنية كبيرة و قادة سمعت عن بطولاتهم الكثير في صورة أحمد زبانة ؛ حمو بوتليليس و نقاز الهواري و هو جعلني أتردد يوميا على حي سيدي بلال الشهير الذي كان منبع الثورة و المجاهدين في وهران على غرار عدة أحياء أخرى كالحمري… و ذلك بهدف مراقبة الأمور و الإنخراط بصفة رسمية بصفوف الجبهة و هو ما حصل لأتقمص دور الفدائيين المنحصر في القيام بعدة عمليات وسط المدينة .
هل لك ان تروي لنا كيف تم إلقاء القبض عليك ؟
في البداية لم يقبض علي متلبسا و ذلك لسبب واحد وهو التمويه باستغلال امتلاكي لمواصفات الفرنسيين من حيث ملامح الوجه و الملابس و كثيرا ما كنت أنفذ العمليات وسطهم و لا يتعرف علي و يعتبرونني منهم لأقع بين أيديهم في جانفي 1956 بسبب الوشاية و كثرة الشبهات ليصدر الحكم ضدي بخمسة سنوات حبس نافذة بتهمة التأمر و العمل مع مجموعة أشرار لأقضيها كلها بسجن الأصنام ولاية الشلف حاليا .
من هم رفقاء الدرب اللذين لا زلت تحتفظ بذكريات معهم ؟
يوجد الكثير فمنهم من نال الشهادة و منهم من بقي حيا فعلى سبيل المثال لازالت أتذكر البعض منهم مثل محمد ذرار ؛ محمد دحمون جيلالي بن قاسمية و بالمناسبة داخل السجن تعرفت على المرحوم رئيس مولودية وهران قاسم ليمام الذي كنت غالبا مع أتقاسم معه الطعام الذي يجلبه لي الوالد رحمة الله عليهما.
بعد الاستقلال ارتبط إسمك كثيرا بجمعية وهران لماذا اخترت “لازمو” و ليس فريقا آخر ؟
انتم تعرفون انه لما تترعرع في قلب المدينة الجديدة وسط عائلة وهرانية محضة يصعب عليك مؤازرة فريق آخر غير جمعية وهران هذا النادي كان جزء لا يتجزأ من العائلة كما كانت تربطني علاقات صداقة وطيدة بلاعبيه خارج نطاق كرة القدم فمثلا لاعب مثل رقيق عبد القادر كان احد أصدقائي كما أنني كنت امتلك مقهى وسط معقل الجمعاوة فمن غير المعقول و المقبول أن أناصر فريقا آخر .
يشاع بأن مقهى مودوب كان شبه مقرا رسميا لفريق جمعية وهران في السابق ؟
صحيح فالمقهى الذي كان بحوزتي كان متواجدا في قلب معاقل أنصار و محبي “لازمو” مقابل عمارات دار الحياة وعند مدخل السوق التجاري ل المدينة الجديدة فالكل كان يجتمع هناك من أنصار ؛ مسيرين و لاعبين و حتى بعض الفنانين و أحيانا كانت تصدر قرارات هامة تخص النادي من خلال الإجتماعات المصغرة التي كانت تحدث عندي بالمقهى .
هل لك أن تروي لنا متى قررت الترشح لرئاسة جمعية وهران ؟
صراحة عقب تدهور نتائج النادي سنة 1992 _ 1993 أين سقط إلى القسم الثاني بعد أن قضى 15 سنة زاهية في القسم الأول و منشطا نهائيين لمنافسة كأس الجمهورية بفضل سياسة الإصلاح الرياضي و اعتماده على التكوين لم أتقبل رؤية “لازمو” في ذلك الحال و بحكم حبي لها و علاقتي الجيدة مع كل الأطراف تقرب مني العديد من محبي الفريق و أعضاء الجمعية العامة طالبين مني اخذ زمام الأمور و هو ما حصل و ترشحت فعلا إلى رئاسة الفريق و تمكنت من إرجاعه إلى مكانته الطبيعية في ظرف وجيز .
كيف قبل أن يسمح لك بن دداش بترأس النادي و هو الذي كان معروفا بشدته وسيطرته على الرئاسة ؟
لا يجب أن تنسوا أنني أملك صفة المجاهد كما أن الرئيس بن دداش الملقب بدادي وقتها كان يعرف العائلة جيدا و هي التي كان لها وزن ثقيل و كلمة مسموعة في الحي الشعبي المدينة الجديدة ناهيك عن الاحترام المتبادل السائد في علاقتي معه باعتباري مناصرا وفيا و عضو جمعية عامة؛ فبعد فشله في الحفاظ على الفريق في القسم الأول و انشغاله أكثر بأمور الاتحادية الجزائرية لكرة القدم ؛ الجمعية العامة الانتخابية كانت الفاصل و هي من وضعتني رئيسا لجمعية وهران .
ما هي الطريقة التي اتبعتها حتى تنجح في قيادة الفريق للصعود و العودة سريعا إلى حظيرة الكبار ؟
أولا حب الفريق و العمل بكل شفافية بعيدا عن الشبهات و إعطاء لكل ذي حق حقه فمنذ أن توليت زمام الأمور في جمعية وهران لم ابخل على الفريق بأي جهد و بالرغم من نقص الإمكانيات و غياب الموارد أحيانا تمكنت بفضل ثقة الرجال من تكوين مجموعة شابة متلاحمة من أبناء المدرسة في صورة بوعزة كرشاي ؛ حدادة ؛ نشاد ؛ بن عمارة و قمنا بتربص تحضيري ناجح بتشيكوسلافكيا او تونس و وفرت جوا ملائما للعمل كما أريد أن أضيف أمرا مهما …
تفضل ….؟
لم أتدخل يوما في الشؤون الفنية للفريق حيث تركت كل الحرية للمدرب عبد القادر معطى الله ؛ عملي كان يقتصر على وضع الفريق في ظروف مريحة و توفير السيولة المالية فحتى أبنائي و أقاربي منعت عليهم الأقمصة و تذاكر المباريات و كنت أقول لهم أن كانوا يرغبون في مساعدتي و عدم إحراجي فما عليهم سوى باقتناء التذاكر و شراء قميص لازمو من الأسواق دون نسيان الأنصار الذين لعبوا دورهم كما ينبغي .
في غياب الموارد المالية وقتها من أين كان يأتي مودوب بالسيولة ؟
دعني أوضح أن الإعانات كانت جد ضئيلة و لا تكفي مما أجبرني الإنفاق من مالي الخاص كما لا أنكر مساعدات بعض التجار و رجال المال الذين كانوا يعشقون الجمعية أبرزهم الحاج بغدادي ؛ قداري ؛ عبد القادر بطاط و حتى بن قرعة ؛ فهؤلاء كان لهم الفضل في صعود لازمو ذلك الموسم ؛ من جهتي الحمد لله لم أخن ثقتهم و حققنا مشوارا ناجحا كما أن الجميع نال مستحقاته إلى آخر سنتيم و لم أترك أي أحدا مدانا لي .
لماذا قررت التخلي عن الرئاسة بعد سنة واحدة فقط رغم نجاحك في مهمتك ؟
رغم النجاح المحقق كثر وقتها القيل و القال وقتها كما أن جمعية وهران صارت تلعب في حظيرة الكبار مما يتطلب جهدا و أموالا ضعف التي كنت أسير بها في السنة السابقة و باعتباري رجل نزيه أردت المحافظة على سمعتي و عدم ارتداء قبعة الرجل المتعصب للسلطة فمباشرة بعد إبداء بلقاسم بن قرعة رغبته في الرئاسة سلمت له المشعل دون تردد و رجعت إلى مكانتي الطبيعية في المدرجات .
هل صحيح انك تركت خزينة الفريق مملوءة لبن قرعة و أن كان كذلك ما هي قيمة المبلغ ؟
نعم أؤكد ذلك من هذا المنبر فان لم تخني الذاكرة تركت في خزينة النادي حوالي أزيد من 120 مليون سنتيم حيث كانت لي الفرصة لسحبها عن طريق رصيدي الشخصي إلا أنني حولتها إلى رصيد النادي بالرغم من أنني عندما تقلدت الرئاسة ورث وضع كارثي و لم أجد أدنى وسائل التدريب كالكرات و الالبسة .
من هو المدرب الذي كنت تفضله و تعجبك طريقته ؟
قدور بخلوفي دون منازع حيث كان رجلا تتوفر فيه جميع الصفات كما أن تحت قيادته عاشت لازمو أفضل فتراتها بفضل كفاءته في التدريب فرض الانضباط و معرفته لخبايا اللعبة جيدا .
من هم اللاعبين الذين كنت تستمتع بمشاهدتهم ؟
عبد القادر رقيق المدعوا “بونس” و رضوان قمري كلاهما دوليين و معروفان بالمهارة ؛ هذا لا يعني التغاضي عن ٱخرين أمثال حميدة تسفاوت ؛ بوكار ؛ حدادة مختار كشاملي رحمه الله إلا أنني اخترت الاسمين الأنفين كونهما يملكان من الفنيات ما يجعل العين تستمتع بمشاهدة كرة .
في نظرك ماذا ينقص جمعية وهران لتعود إلى سابق عهدها ؟
رغم تقدمي في السن إلا أنني دوما ما أسأل عن نتائج الجمعية التي باتت مخيبة في السنوات الأخيرة و ذلك بسبب تفضيل المصالح الشخصية على حساب النادي الأوضاع الأن تختلف و صارت تجارية أكثر مما هي رياضية الحل الوحيد العادة هيبة الفريق هو التفاف أبنائه الحقيقيون الذين يعملون بإخلاص للألوان حوله مثلما قمنا به نحن .
نترك لك المجال لختم هذا الحوار ؟
أشكركم جزيل الشكر على هذه الزيارة كما اغتنم الفرصة لتعزية شهداء أشقائنا في فلسطين كوني عشت جحيم الحرب و اعرف عواقبها فنسال من الله أن يثبتهم ويصبرهم ؛ و بمناسبة أول نوفمبر أتمنى أن تبقى الجزائر شامخة راسخة بين أفضل و أقوى الأمم كما أتمنى رؤية جمعية وهران ضمن حظيرة الكبار في اقرب وقت ممكن .
حاوره : سيدي محمد